فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: خزائن الرزق.
{أَمْ هُمْ الْمُصَيْطِرُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: المسلطون، قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني: أنهم الأرباب، قاله الحسن وأبو عبيد.
الثالث: معناه: أم هم المتولون، وهذا قد روي عن ابن عباس أيضًا.
الرابع: أنهم الحفظة، مأخوذ من تسطير الكتاب، الذي يحفظ ما كتب فيه فصار المسيطر هنا حافظًا ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، قاله ابن بحر.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن السلم المرتقى إلى السماء، ومنه قول ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا ** يبنى له في السموات السلاليم

الثاني: أنه السبب الذي يتوصل به إلى عوالي الأشياء، قال الشاعر:
تجنيت لي ذنبًا وما إن جنيته ** لتتخذي عذرًا إلى الهجر سلمًا

وقوله: {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يستمعون من السماء ما يقضيه الله على خلقه.
الثاني: يستمعون منها ما ينزل الله على رسله من وحيه.
{فلْيَأْتِ مْسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} فيه وجهان:
أحدهما: فليأت صاحبهم بحجة ظاهرة تدل على صدقه.
الثاني: فليأت بقوة تتسلط على الأسماع وتدل على قدرته.
{وَإِن يَرَواْ كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني قطعًا من السماء، قاله قتادة.
الثاني: جانبًا من السماء.
الثالث: عذابًا من السماء، قاله المفضل. وسمي كسفًا لتغطيته، والكسف:
التغطية، ومنه أخذ كسوف الشمس والقمر.
{يَقولواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} في مركوم وجهان:
أحدهما: أنه الغليظ، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه الكثير المتراكب، قاله الضحاك. ومعنى الآية: أنهم لو رأو سقوط كسف من السماء عليهم عقابًا لهم لم يؤمنوا ولقالوا إنه سحاب مركوم بعضه على بعضه.
{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يوم يموتون، قاله قتادة.
الثاني: النفخة الأولى، حكاه ابن عيسى.
الثالث: يوم القيامة يغشى عليهم من هول ما يشاهدونه، ومنه قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوْسَى صَعِقًا} أي مغشيًا عليه.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ صَعِقًا} أي مغشيًا عليه.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: عذاب القبر، قاله علي.
الثاني: الجوع، قاله مجاهد.
الثالث: مصابهم في الدنيا، قاله الحسن.
وفي المراد بالذين ظلموا ها هنا قولان:
أحدهما: أنهم أهل الصغائر من المسلمين.
الثاني: أنهم مرتكبو الحدود منهم.
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} فيه وجهان:
أحدهما: لقضائه فيما حملك من رسالته.
الثاني: لبلائه فيما ابتلاك به من قومك.
{فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بعلمنا، قاله السدي.
الثاني: بمرأى منا، حكاه ابن عيسى.
الثالث: بحفظنا وحراستنا، ومنه قوله تعالى لموسى: {وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] بحفظي وحراستي، قاله الضحاك.
{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن يسبح الله إذا قام من مجلسه، قاله أبو الأحوص، ليكون تكفيرًا لما أجرى في يومه.
الثاني: حين تقوم من منامك، ليكون مفتتحًا لعمله بذكر الله، قاله حسان بن عطية.
الثالث: حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: أنه التسبيح في الصلاة، إذا قام إليها.
وفي هذا التسبيح قولان:
أحدهما: هو قول: سبحان ربي العظيم، في الركوع، وسبحان ربي الأعلى، في السجود.
الثاني: التوجه في الصلاة بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، قاله الضحاك.
{وَمِنَ الِّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها صلاة الليل.
الثاني: التسبيح فيها.
الثالث: أنه التسبيح في صلاة وغير صلاة.
وأما {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها ركعتان قبل الفجر، رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، إِدْبَارُ النُّجومِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ إِدْبَارُ السُّجُودِ».
الثاني: أنها ركعتا الفجر قبل الغداة.
الثالث: أنه التسبيح بعد الصلاة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والطُّورِ}.
هذا قَسم بالجبل الذي كلَّم اللهُ عز وجل عليه موسى عليه السلام، وهو بأرض مَدْين واسمه زَبير.
{وكتابٍ مسطورٍ} أي: مكتوب، وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه اللوح المحفوظ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: كتب أعمال بني آدم، قاله مقاتل، والزجاج.
والثالث: التوراة.
والرابع: القرآن حكاهما الماوردي.
قوله تعالى: {في رَقٍّ} قال أبو عبيدة: الرَّقُّ: الوَرَق.
فأما المنشور فهو المبسوط.
قوله تعالى: {والبيتِ المعمورِ} فيه قولان.
أحدهما: أنه بيت في السماء.
وفي أي سماء هو؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه في السماء السابعة.
رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث مالك بن صعصعة الذي أُخرج في (الصحيحين) يدل عليه.
والثاني: أنه في السماء السادسة، قاله عليّ رضي الله عنه.
والثالث: أنه في السماء الدنيا، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس: هو حيال الكعبة يحُجُّه كُلَّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة، يسمى الضُّراح.
وقال الربيع بن أنس: كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم، فلمّا كان زمن نوح أمر الناس بحجِّه، فعصوه، فلمّا طغى الماءُ رُفع فجُعل بحذاء البيت في السماء الدنيا.
والثاني: أنه البيت الحرام، قاله الحسن.
وقال أبو عبيدة: ومعنى: {المعمور} الكثير الغاشية.
قوله تعالى: {والسَّقْفِ المرفوعِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه السماء، قاله علي رضي الله عنه والجمهور.
والثاني: العرش، قاله الربيع.
قوله تعالى: {والبحرِ} فيه قولان.
أحدهما: أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يُمْطَر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحًا فينبتُون في قبورهم، قاله عليّ رضي الله عنه.
والثاني: أنه بحر الأرض، ذكره الماوردي.
وفي {المسجور} أربعة أقوال.
أحدها: المملوء، قاله الحسن، وأبو صالح، وابن السائب، وجميع اللغويين.
والثاني: أنه المُوقد، قاله مجاهد، وابن زيد.
وقال شمر بن عطية: هو بمنزلة التنور المسجور.
والثالث: أنه اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، قاله أبو العالية.
وروي عن الحسن قال: تسجر، يعني البحار، حتى يذهب ماؤها، فلا يبقى فيها قطرة.
وقول هذين يرجع إلى معنى قول مجاهد.
وقد نقل في الحديث أن الله تعالى يجعل البحار كلَّها نارًا، فتزاد في نار جهنم.
والرابع: أن {المسجور} المختلط عذْبه بمِلحه، قاله الربيع بن أنس.
فأقسم اللهُ تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن تعذيب المشركين حق، فقال: {إنَّ عذاب ربِّك لواقعٌ} أي: لكائن في الآخرة.
ثم بيَّن متى يقع، فقال: {يومَ تمورُ السماءُ موْرًا} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: تدور دَوْرًا رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج.
والثاني: تحرَّكُ تحرُّكًا، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
وقال أبو عبيدة {تمور} أي: تَكفّأُ، وقال الأعشى:
كأنَّ مِشْيتَها مِنْ بيْتِ جارَتِها ** مَوْرُ السَّحابةِ لا ريْثٌ ولا عَجَلُ

والثالث: يموج بعضها في بعض لأمر الله تعالى، قاله الضحاك.
وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: 88] إلى قوله: {الذين هُمْ في خوْضٍ يلعبون} أي: يخوضون في حديث محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء، ويلهُون بذكْره، فالويل لهم.
{ويوم يُدعُّون} قال ابن قتيبة: أي: يُدْفعون، يقال: دععْتُه أدُعُّه، أي: دفعته، ومنه قوله: {يدُعُّ اليتيم} [الماعون: 2] قال ابن عباس: يُدْفع في أعناقهم حتى يردوا النّار.
وقال مقاتل: تُغلُّ أيديهم إلى أعناقهم وتُجْمعُ نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يُدفعون إلى جهنم على وجوههم، حتى إذا دَنوا منها قالت لهم خزنتُها: {هذه النار التي كنتم بها تكذِّبون} في الدنيا {أفسحر هذا} العذاب الذي ترون؟ فإنكم زعمتم أن الرُّسل سحرةٌ {أمْ أنتم لا تُبْصِرون} النار؟ فلمّا أُلقوا فيها قال لهم خزنتُها: {إصْلوها}.
وقال غيره: لمّا نسبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أنه ساحر يغطِّي على الأبصار بالسِّحر، وُبِّخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ، وقيل: {إصلوها} أي: قاسوا شِدَّتها {فاصبِروا} على العذاب {أو لا تصْبِروا سواءٌ عليكم} الصَّبر والجزع {إنمَّا تُجْزوْن} جزاء {ما كنتم تعملون} من الكفر والتكذيب.
ثم وصف ما للمؤمنين بما بعد هذا، وقوله: {فاكِهين} قرئت بألف وبغير ألف، وقد شرحناها في [يس: 55]، {ووقاهم} أي: صرف عنهم و{الجحيم} مذكور في [البقرة: 119].
{كُلوا} أي: يقال لهم: كُلوا {واشربوا هنيئًا} تأمنون حدوث المرض عنه.
قال الزجاج: المعنى: لِيهْنِكم ما صِرتم إليه، وقد شرحنا هذا في سورة [النساء: 4] ثم ذكر حالهم عند أكلهم وشربهم فقال: {مُتَّكِئين على سُرُرٍ} وقال ابن جرير: فيه محذوف تقديره: على نمارق على سُرُر، وهي جمع سرير {مصفوفةٍ} قد وُضع بعضُها إلى جنْب بعض.
وباقي الآية مفسَّر في سورة [الدخان: 54].
قوله تعالى: {وأَتبعْناهم ذُرِّياتِهم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {واتَّبعْتهم} بالتاء {ذُرِّيَّتُهم} واحدة {بهم ذُرِّيَّتَهم} واحدة أيضًا.
وقرأ نافع: {واتَّبعتْهم ذُرِّيَّتُهم} واحدة {بهم ذُرِّيَّاتِهم} جمعًا.
وقرأ ابن عامر {وأَتْبعْناهم ذُرِّيَّاتِهم} {بهم ذُرِّيّاتِهم} جمعًا في الموضعين.
واختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوال.
أحدها: أن معناها: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلُغوا أعمال آبائهم، تكرمةً من الله تعالى لآبائهم المؤمنين باجتماع أولادهم معهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان، أي: بلغت أن آمنتْ، ألحقنا بهم ذُرِّيَّتهم الصِّغار الذين لم يبلُغوا الإيمان.
وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
ومعنى هذا القول: أن أولادهم الكبار تبعوهم بإيمان منهم، وأولادهم الصغار تبعوهم بإيمان الآباء، لأن الولد يُحكم له بالإسلام تبعًا لوالده.
والثالث: {وأتبَعْناهم ذُرِّياتهم} بإيمان الآباء فأدخلناهم الجنة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا.
قوله تعالى: {وما ألتْناهم} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {وما ألَتْناهم} بالهمزة وفتح اللام.
وقرأ ابن كثير: {وما ألِتْناهم} بكسر اللام.
وروى ابن شنبوذ عن قنبل عنه {ومالِتْناهم} بإسقاط الهمزة مع كسر اللام.
وقرأ أبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ بإسقاط الهمزة مع فتح اللام.
وقرأ ابن السميفع {وما آلَتْناهم} بمد الهمزة وفتحها.